مَن حرَمَ ترامب نوبل؟ لغزُ الأصابعِ الخفيّةِ وحربُ الصورةِ العالميّة

أكد "إسلام الغمري" نائب رئيس مركز حريات للدراسات السياسية والإستراتيجية في مقال له أن ما جرى في ملف جائزة نوبل يكشف عن عمق الصراع بين منظومة الهيمنة الغربية القديمة والنظام الواقعي الجديد الذي بدأ يفرض منطقه من واشنطن إلى موسكو وبكين.
وجاء في مقال الأستاذ "إسلام الغمري" نائب رئيس مركز حريات للدراسات السياسية والإستراتيجية، مايلي:
"منذ أن أُعلِن عن فوز الفنزويلية ماريا كورينا ماتشادو بجائزة نوبل للسلام لعام ٢٠٢٥، ثار جدل واسع حول تجاهل اللجنة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي عاد إلى البيت الأبيض بعد فوزٍ انتخابيٍّ تاريخيٍّ على جو بايدن، أنهى مرحلةً طويلة من الصراع مع المؤسسة العميقة داخل الولايات المتحدة.
ذلك الفوز الذي اعتُبر صفعةً للنظام الليبرالي العالمي، أعاد تشكيل موازين القوى في واشنطن، وأحيا النقاش حول “من يحكم أمريكا فعلًا؟” و“من يملك مفاتيح الشرعية الأخلاقية في العالم؟”.
خيوطُ الخفاء: بين السياسةِ والرمز
من يظن أن جائزة نوبل للسلام شأنٌ إنسانيٌّ محضٌ بعيدٌ عن السياسة وأدواتها، يقرأ المشهد بعينٍ مثاليةٍ لا وجود لها في الواقع.
فمنذ نشأتها، كانت الجائزة أداةً من أدوات القوة الرمزية الغربية، تُكرّس سردية محددة عن “السلام” وفق التعريف الذي تضعه النخب الليبرالية الحاكمة في الغرب.
ومع مرور الزمن، تحوّلت نوبل إلى وسيلةٍ لتثبيت رموز النظام الدولي، أكثر مما هي تكريمٌ لصُنّاع السلام الحقيقيين.
أما اليوم، فقد أصبح ترامب – بعودته إلى الحكم – الخطر الأكبر على هذا النظام.
فالرجل الذي تحدّى الإعلام، وواجه شركات التكنولوجيا، وهاجم منظومة “الحروب الدائمة”، عاد ليُعيد صياغة خطاب أمريكا العالمي على أسس جديدة تقوم على الواقعية، لا على المثاليات الليبرالية.
ومن ثمّ، فإن منعه من جائزة نوبل لم يكن قرارًا تقنيًّا أو أخلاقيًّا، بل رسالة سياسية صريحة مفادها أن “السلام” لا يجوز أن يُعرَّف من خارج حدود المنظومة التي صنعته.
من المستفيد من إقصاءِ ترامب؟
السؤال الجوهري هنا: من المستفيد من حرمان الرئيس الأمريكي الحالي من الجائزة الأهم في العالم؟
الإجابات كثيرة، لكنها تتقاطع جميعًا عند هدف واحد: منع ترامب من امتلاك الشرعية الأخلاقية العالمية التي قد تجعله رمزًا يتجاوز حدود أمريكا.
1. المؤسسة الأمريكية العميقة
رغم فشلها في إسقاطه بالمحاكمات والإدانات، فإنها ما زالت تُدير حرب استنزافٍ رمزيةٍ ضده.
جائزة نوبل كانت ستمنحه غطاءً أخلاقيًا يُعزّز صورته كزعيم واقعيٍّ يسعى لإنهاء الحروب بدل إشعالها، وهو ما يتعارض مع مصالح المجمع العسكري–الصناعي الذي يعيش على الصراعات المفتوحة.
لذلك، فإن منعه من الجائزة هو استمرارٌ لحربٍ ناعمةٍ على رمزيته أكثر من كونها معركة سياسية مباشرة.
2. اللوبي الصهيوني
على الرغم من أن ترامب قدّم لإسرائيل مكاسب استراتيجية كبرى – من الاعتراف بالقدس عاصمةً لها، إلى اتفاقات أبراهام – فإن منحه نوبل للسلام كان سيُربك هذا اللوبي.
فالصهيونية تفضّل أن تبقى إسرائيل محور “الصراع المشروع” لا “السلام المتوازن”، والجائزة كانت ستجعل ترامب يبدو وسيطًا عادلًا لا داعمًا أعمى، وهذا خطر رمزيٌّ على روايتها التاريخية.
لذلك، كان استبعاده أيضًا انتصارًا للتيار الصهيوني الذي لا يريد أيّ زعيمٍ غربيٍّ يُنافس إسرائيل في احتكار خطاب “السلام”.
3. النخبة الأوروبية الليبرالية
تلك التي ترى في ترامب تجسيدًا لعصرٍ أمريكيٍّ جديد يُهدّد المنظومة الغربية التقليدية.
فمنذ عودته إلى الحكم، وهو يهاجم سياسة المناخ، ويعيد النظر في التحالفات القديمة، ويُفضّل “الصفقات الثنائية” على الدبلوماسية المتعددة الأطراف.
فكيف تسمح هذه النخب بمنح رمزٍ كهذا جائزةً صُممت لتكريس قيمها؟
لقد جاء إقصاؤه امتدادًا لحرب فكرية شرسة بين “الواقعية الأمريكية الجديدة” و”الليبرالية الأوروبية المتراجعة”.
من المحاصَر إلى المهيمن: تحوّل الصورة الإعلامية
لم يعد ترامب اليوم ذلك الزعيم المحظور على المنصات كما كان بعد ٢٠٢١، بل أصبح مركز الجاذبية الإعلامية العالمي.
فهو حاضر في كل المنابر، يتحدث مباشرةً إلى الجماهير، ويُحرّك الرأي العام العالمي بتغريدة واحدة أو خطاب قصير.
لقد انتقل من موقع “الضحية الإعلامية” إلى موقع “صانع السردية”، حتى أصبحت وسائل الإعلام الأمريكية نفسها تسير في فلكه لتلاحق تصريحاته وخطواته.
ومن هنا، فإن حرمانه من نوبل لم يكن محاولةً لإسكاته، بل محاولةً لاحتواء صورته المتضخمة، حتى لا يتحوّل إلى رمزٍ كونيٍّ يُهدّد احتكار الغرب لتعريف “الزعيم الأخلاقي”.
أثرُ إقصاءِ ترامب على القضية الفلسطينية
يبقى السؤال المركزي: ما انعكاس هذا القرار على القضية الفلسطينية؟
أولًا: الخسارة الرمزية
فوز ترامب بجائزة نوبل كان سيُجبره – كرجلٍ يسعى لترسيخ صورته كصانع سلام – على تقديم مبادراتٍ رمزيةٍ على الأقل تجاه الشرق الأوسط، وربما الضغط على إسرائيل لتخفيف التصعيد أو فتح مسار تفاوضي جديد.
هذا كان سيُمنح الفلسطينيين فرصةً سياسية محدودة، ولو مؤقتة، لإعادة طرح قضيتهم في المحافل الدولية.
ثانيًا: المكسب السياسي
لكن حرمانه من الجائزة حال دون تجميل مشروع “سلام الصفقات” الذي بدأه خلال ولايته الأولى.
فالجائزة كانت ستضفي شرعيةً على اتفاقات أبراهام، وتُحوّلها إلى “أنموذجٍ عالميٍّ للسلام”، بينما في حقيقتها هي مشروعٌ لتطبيعٍ غير متكافئٍ يُكرّس السيطرة الإسرائيلية لا إنهاء الاحتلال.
ومن ثمّ، فإن استبعاده – رغم ما فيه من أبعاد سياسية خفية – حمى القضية الفلسطينية من أن تُختزل في “سلامٍ مزيف” مُطعَّمٍ بميدالية نوبل.
حربُ الصورةِ الجديدة
العالم اليوم لا تُدار حروبه بالدبابات وحدها، بل تُدار بالعقول والصور والمعاني.
وجائزة نوبل للسلام لم تعد تكريمًا، بل سلاحًا رمزيًا في هذه الحرب.
فمن يُمنح الجائزة يُصبح نموذجًا يُروَّج له، ومن يُحرم منها يُصنَّف تهديدًا للرواية السائدة.
وبين التكريم والإقصاء، تُعاد صياغة الوعي الجماعي للبشرية بأكملها.
إن حرمان الرئيس الأمريكي الحالي من الجائزة لم يكن مجرد إغفالٍ لاسمه، بل رسالةٌ إلى كلّ من يحاول كسر احتكار الغرب لخطاب الفضيلة:
أن حدود الشرعية الأخلاقية تُمنح وتُمنع بقرارٍ سياسيٍّ لا بمعيارٍ إنسانيٍّ.
الخلاصة
بعيدًا عن الموقف من ترامب كشخصٍ أو كزعيم، فإن ما جرى في ملف نوبل يكشف عن عمق الصراع بين منظومة الهيمنة الغربية القديمة والنظام الواقعي الجديد الذي بدأ يفرض منطقه من واشنطن إلى موسكو وبكين.
لقد أراد خصوم ترامب أن يمنعوه من امتلاك “التاج الأخلاقي” الذي قد يُكمّل “التاج السياسي” الذي استعاد به الحكم، فكان استبعاده من الجائزة آخر جولات حربٍ رمزيةٍ تدور في ميدان الشرعية والصورة والمعنى.
وفي نهاية المطاف، يبقى السؤال الأهم:
هل سيظل العالم محكومًا بمن يمنح الجوائز، أم بمن يصنع الوقائع؟
ذلك هو جوهر المعركة التي تجاوزت نوبل لتصل إلى قلب النظام الدولي نفسه". (İLKHA)
تنبيه: وكالة إيلكا الإخبارية تمتلك جميع حقوق نشر الأخبار والصور وأشرطة الفيديو التي يتم نشرها في الموقع،وفي أي حال من الأحوال لن يمكن استخدامها كليا أو جزئياً دون عقد مبرم مع الوكالة أو اشتراك مسبق.
يؤكد الأستاذ عبد الله أصلان أن الشباب والمجتمع لا يُحفظان إلا بتقوية القدوات الصالحة والتصدي للشرور المنظمة التي تهددهم، فالقدوة الحقيقية هي من يرفع الإنسان لا يضره، وأي مثال سيئ يجب أن يُبعد عن أعين الجميع قبل أن يتحول إلى قدوة يُحتذى به.
يوضح الأستاذ محمد كوكطاش أن وقف إطلاق النار في غزة لن يوقف الصراع مع الكيان الصهيوني، بل سيزيده اشتعالًا مع انكشاف فظائع المجازر وجرائم الإبادة، مؤكدًا أن إسرائيل تتجه نحو الانهيار وأن العالم سيطالبها بالتعويض والمحاسبة.
يبرز الأستاذ إسلام الغمري شجاعة القادة الفلسطينيين في مواجهة التهديدات المباشرة عبر حضورهم الفعلي في مفاوضات شرم الشيخ، مؤكّدًا أن القيادة الحقيقية تُقاس بالموقف والميدان لا بالمناصب أو التصريحات، ويُبرز التاريخ، من خالد بن الوليد إلى القادة الفلسطينيين المعاصرين، موضحاً أن الشجاعة والتضحية أساس شرعية القيادة ونجاحها في مواجهة التحديات.